ارتبط مفهوم الوقت بشكلٍ كبيرٍ بالعمل الإداري، إذ لا تعمل الإدارة من فراغ، بل تمارس عملها في إطارٍ محددٍ، وتعتمد على عناصر محددة من أجل القيام بهذا العمل، فمفهوم إدارة الوقت من المفاهيم المتكاملة والشاملة، فإدارة الوقت لا تقتصر على إداريٍ دون
غيره، ولا يقتصر تطبيقها على مكانٍ دون آخر، أو زمانٍ دون غيره، وقد ارتبطت كلمة الإدارة بالوقت، من خلال وجود عملية مستمرة من التخطيط والتحليل والتقويم المستمر للنشاطات التي يقوم بها الشخص خلال فترةٍ زمنيةٍ محددةٍ، تهدف إلى تحقيق فعالية مرتفعة في استغلال الوقت المتاح إلى لتحقيق الأهداف المنشودة.
ولقد بدأ التركيز على موضوع إدارة الوقت بالمفهوم الشامل والمتعارف عليه حالياً في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من هذا القرن، وأحدثت التطورات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أثراً كبيراً في زيادة الاهتمام بموضوع إدارة الوقت، وخاصة التطورات التقنية الهائلة في مجال الإتصالات والمواصلات، وارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات الاستثمار في المشروعات والمؤسسات وارتفاع تكاليف الإنتاج، وغيرها الكثير.
ورغم الاختلافات بين النظريات الإدارية، إلا أنّها ربطت إدارة الوقت بالإنتاج، ولكن انطلاقا ًمن الفلسفة الخاصة بكل نظرية ومن زاويتها الخاصة بها، فقد كانت الإشارات الأولى لإدارة الوقت من خلال أفكار وجهود" أبو الإدارة العلمية" فريدريك تايلور (Fredrick Taylor) ، وإن لم ينص على إدارة الوقت في البداية كهدف رئيس لمدرسته ؛ لكنها كانت متواجدة في أفكار الإنتاج والإنجاز والرقابة وصولاً لأفضل مستويات الأداء، وقد تمت الإشارة إلى جهود تايلور في" دراسة الحركة والزمن" (Motion & Time) من خلال إزالة أو تقليل الوقت الضائع ، مع الأخذ في الاعتبار نسبة معينة من الوقت لتغطية احتمالات التوقف أو المقاطعات أو التأخير للاستراحة وبعد ذلك أشارت نظريات الإدارة إلى موضوع إدارة الوقت بشكلٍ جزئيٍ شأنها في ذلك شأن سابقتها نظرية الإدارة العلمية، بحيث لايمكن
أن توصف تلك الإشارات بالشمولية، بل إنّ تلك الإشارات كانت تعبيرا ًعن وجهات النظر المختلفة مع منهج الإدارة العلمية، ولا تعد بداية رئيسة لفكر إدارة الوقت المتعارف عليه حالياً في علم الإدارة الحديث، وفي "نظرية العلاقات الإنسانية"، فقد ظهر الاهتمام بالوقت منصباً لمصلحة العامل بإعطائه فرصة للراحة وأخرى للعمل، بما ينعكس على معنوياته وبالتالي إنتاجيته، وكذلك بالنسبة لنظرية "اتخاذ القرارات" التي استعانت بالوقت لحل مشاكل التخطيط والإنتاج، و"النظرية البيولوجية " التي اعتبرت المنظمة كائن حي يولد وينمو ويكبر ويشيخ ويموت .
وقد ظهر الاهتمام بإدارة الوقت وفق النظرة الشمولية المتعارف عليها حالياً في أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين، فقد ذكر الشمراني) ١٤٢١ھ) أنّ أول بحث في هذا المجال ظهر في أوائل الخمسينيات هو بحث أستاذ الجامعة السويدي سوبر كارلسون ((Super Carlson والذي رصد فيه وقت تسعة أعضاء مجلس إدارة لمدة أربعة أسابيع، كما كانت أولى المحاولات للكاتب جيمس ماكيي ( (James Mckay عام ١٩٥٨ م، حيث وضع كتابه" إدارة الوقت"؛ وبعدها زاد الاهتمام بموضوع إدارة الوقت وتوالت الأبحاث والدراسات والمقالات والكتب في العالم الغربي أولا ثم العالم العربي بشكلٍ أقلٍ.
مفهوم الوقت :
لعل مفهوم الوقت من أكثر المفاهيم صلابةً ومرونةً في الوقت نفسه، حيث يعيش الأفراد في مجتمع واحد، وكل فرد يستخدم عبارات تختلف عن الآخر عندما تتحدد علاقته بالوقت، وهذا الاختلاف حول مفهوم الوقت ووجهات النظر المتعددة حوله تأكيد على عمق الدلالات التي يشير إليها هذا المفهوم باختلاف البيئات والثقافات والمنطلقات الفكرية.
وقد اتفق الباحثون على صعوبة تحديد مفهوم الوقت نظراً لطبيعة الوقت ونظرة الإنسان إليه عبر العصور، فضلاً عن طبيعة الفكر والثقافة التي ينتمي لها الفرد والمجتمع، ومن هذا المنطلق كانت النظرة إليه معتمدة على النظرة الفلسفية التأملية، ثم الشعور به من خلال أثره وتأثيره على الإنسان والمجتمع وجوانب الحياة بشكلٍ عامٍ .
فذكر الخضري (٢٠٠٠) أنّ مفهوم الوقت وفكرته كانت الشغل الشاغل لكثير من الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ الإنساني ومنهم أرسطو الذي وصفه بإنّه " تعداد الحركة" ، ويعد الوقت وحدة قياس لدوران الأرض حول محورها وحول الشمس، وقد تم التعارف على تحديد وحدة قياس الوقت بالساعة أو أجزائها، وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام دون أي تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأية حال من الأحوال وقفه أو تجميعه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله.
وقد عرف الصيرفي ( ٢٠٠٣ م: 120) مفهوم الوقت بأنّه: عملية تخطيط وتنظيم ورقابة الوقت، بما يمكن من اختيار الشيء المناسب الصحيح المراد عمله، وبالتالي القيام بأعمالٍ كثيرةٍ في وقتٍ قصيرٍ.
ونقل الرشيد ( ٢٠٠٣ م: ١٦) عن فرانسيس بيكون قوله" الوقت مقياس الإدارة، كما هي النقود مقياس للسلع والبضائع" ، حيث أنه مورد حساس للفرد والمنظمات والأمم والشعوب، وفي هذا القول تأكيد على أن الوقت مقياس سواء كان جزء من الزمن الأعم والأشمل في الدلالة أو كان الوقت بوحداته وأجزائه من ساعات ودقائق... الخ.
مفهوم إدارة الوقت
إنّ الاستخدام السليم للوقت يبين عادةً الفرق بين الإنجاز والإخفاق، فمن بين الأربع والعشرين ساعة يومياً يوجد عدد محدد منها للقيام بالأعمال، وهكذا فإنّ المشكلة ليست في الوقت نفسه، فالوقت يسير بسرعةٍ محددةٍ وثابتةٍ، وإنّما ماذا نفعل بهذه الكمية المحدودة منه؟ يؤكد السواط وآخرون( ٢٠٠٠ م: ٢٧٦) بأنّ: " أنّ إدارة الوقت تعني إدارة الذات وإدارة الذات تعني إدارة الوقت الخاص للفرد".
ويعرّفها العيتي... بأنّها: إدارة النفس، فمن استطاع التحكم في نفسه يستطيع التحكم في وقته، وتنظيم الوقت لا يقيد الإنسان كما يتوهم البعض بل يطلقه من قيود الفوضى والإرتجال، ويمنحه المزيد من الوقت للراحة والإستجمام والتمتع بالحياة.
وعرفها العبودي ( ١٤٢٣ ھ: ٢٢ (بأنّها" عملية الاستفادة من الوقت المتاح والمواهب الشخصية المتوفرة ، لتحقيق الأهداف المهمة في الحياة مع المحافظة على تحقيق التوازن بين المتطلبات والحاجات". وعرّفها العريفي (2005) بإنّها: ضبط وتنظيم واستثمار الوقت فيما يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع، وهو ما يتطلب توزيع الواجبات اليومية والتخطيط للأعمال المستقبلية كي لا يضيع الوقت المتاح هدراً أو إرهاق الأعصاب في محاولة إنجاز أكبر قدر من الأعمال في أوقات محددة ".
ووصفها علياّن ( ٢٠٠٥ م: ٢٨) بأنّها" : فن وعلم الاستخدام الرشيد للوقت، وهي علم استثمار الزمن بشكلٍ فعالٍ ، وهي قائمة على التخطيط والتنظيم، والتنسيق، والتحفيز والتوجيه والمتابعة، والإتصال، وهي عملية كمية ونوعية تستشرف المستقبل وتتنبأ به".
المصادر :
موقع اي سناب بالعربي : http://njbartlett.name/
موقع : مايند تولز : https://www.mindtools.com/pages/article/newHTE_00.htm
إرسال تعليق